فصل: انتقاض علي بن زكريا شيخ الهساكرة على الأمير عبد الرحمن وفتكه بمولاه منصور ومقتل الأمير عبد الرحمن.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الانتقاض الثاني بين صاحب فاس وصاحب مراكش ونهوض صاحب فاس إليه وحصاره ثم عودهما إلى الصلح.

لما رجع السلطان إلى فاس على ما استقر من الصلح طلب الأمير عبد الرحمن أن يدخل عمالة صنهاجة ودكالة في أعماله وكتب السلطان إلى الحسن بن يحيى عامل أزمور وتلك العمالة بأن يتوجه إليه ويسد المذاهب في ذلك دونه وكان الحسن بن يحيى مضطغنا على الدولة فلما وصل إليه داخله في الخلافة وأن يملكه تلك العمالة فازداد الأمير عبد الرحمن بذلك قوة على أمره وتعلل على صاحب فاس بأن يكون حدا بين الدولتين ووادي أم ربيع واستمر صاحب فاس على الاباية من ذلك فنهض الأمير عبد الرحمن من مراكش ودخل الحسن بن يحيى في طاعته فملكها وبعث مولاه منصورا في العساكر إلى أنفاه فاستولى عليها وصادر أعيانها وقاضيها وواليها وبلغ الخبر إلى السلطان فنهض من فاس في عساكره وانتهى إلى سلا فهرب منصور من أنفاء وتركها ولحق بمولاه عبد الرحمن فأجفل من أزمور إلى مراكش والسلطان في أثره حتى انتهى إلى قنطرة الوادي على غلوة من البلد وأقام خمسة أشهر يحاصرها واتصل الخبر بالسلطان ابن الأحمر صاحب الأندلس فبعث خالصته الوزير أبا القاسم الحكيم الرندي ليعقد الصلح بينهما فعقده على أن يسترهن السلطان أولاد الأمير عبد الرحمن وحافد أبي الحسن وانكفأ السلطان راجعا إلى سلا ولحق به جماعة من جملة الأمير عبد الرحمن من بني مرين وغيرهم نزعوا عنه وكان محمد بن يعقوب الصبحي لقي في طريقه مولى الأمير عبد الرحمن جاء به مكرها إلى السلطان وكان من النازعين أيضا يعقوب بن موسى بن سيد الناس كبير بني ونكاسن وأبو بكر بن رحو بن الحسن بن علي بن أبي الطلاق ومحمد بن مسعود الإدريسي وزيان بن عمر بن علي الوطاسي وغيرهم من المشاهير وقدموا على السلطان بسلا فتقبلهم وأحسن كرامتهم ورحل راجعا إلى فاس والله أعلم.

.انتقاض علي بن زكريا شيخ الهساكرة على الأمير عبد الرحمن وفتكه بمولاه منصور ومقتل الأمير عبد الرحمن.

لما رجع السلطان إلى فاس وبدا من الخلل في دولة الأمير عبد الرحمن وانتقاض الناس عليه ما قدمناه نزع يده من التعويل على العساكر وشرع في تحصين البلد وضرب الأسوار على القصبة وحفر الخنادق وتبين بذلك اختلال أمره وكان علي بن زكريا شيخ هسكورة كبير المصامدة وكان في دعوته منذ دخل مراكش فتلافى أمره مع صاحب فاس ومد إليه يدا من طاعته ثم انتقض على الأمير عبد الرحمن ودخل في دعوة السلطان وبعث إليه الأمير عبد الرحمن مولاه منصورا يستألفه فأرصد إليه في طريقه من حاشيته من قتله وبعث برأسه إلى فاس فنهض السلطان في عساكره إلى مراكش واعتصم الأمير عبد الرحمن بالقصبة وقد كان إلى أفردها عن المدينة بالأسوار وخندق عليها فملك السلطان المدينة ورتب على القصبة المقاتلة من كل جهة ونصب الآلة وأدار عليها من جهة المدينة حائطا وأقام يحاصرها تسعة أشهر يغاديها القتال ويراوحها وكان أحمد بن محمد الصبيحي من الذين بوؤا المقاعد لقتالها فهم بالانتقاض وحدثته نفسه بغدرة السلطان والتوثب به وسعى بذلك إلى السلطان فتقبض عليه وحبسه وبعث السلطان بالنفير إلى أعماله فتوافت الأمداد من كل ناحية وبعث إليه صاحب الأندلس مددا من العسكر فلما اشتد القتال والحصار بالأمير عبد الرحمن ونفذت الأقوات وأيقن أصحابه بالهلكة وأهمتهم أنفسهم وهرب عنه وزيره محمد بن عمر شيخ الهساكرة والمصامدة لعهد السلطان أبي الحسن وابنه وقد مر ذكره فلما لحق هذا بالسلطان وعلم أنه إنما جاء مضطرا قبض عليه وحبسه ثم انفض الناس عن الأمير عبد الرحمن ونزلوا من الأسوار ناجين إلى السلطان وأصبح في قصبته منفردا وقد بات ليلته يراوض ولديه على الاستماتة وهما: أبو عامر وسليم وركب السلطان من الغد في التعبية وجاء إلى القصبة فاقتحمها بمقدمته ولقيهم الأمير عبد الرحمن وولداه مباشرا إلى الميدان بين أبواب دورهم فجالوا معهم جولة قتل فيها ولداه تولى قتلهم علي بن إدريس وزيان بن عمر الوطاسي وطال مما كان زيان يمتري يدي نعمهم ويحر ذيله خيلاء في جاههم فذهب مثلا في كفران النعمة وسوء الجزاء والله لا يظلم مثقال ذرة وكان ذلك خاتم جمادى الأخيرة سنة أربع وثمانين وسبعمائة لعشر سنين من إمارته على مراكش ثم رحل السلطان منقلبا إلى فاس وقد استولى على سائر أعمال المغرب وظفر بعدوه ودفع النازعين عن ملكه والله أعلم.

.اجلاب العرب على المغرب في مغيب السلطان بغرية من ولد أبي علي وأبي تاشفين بن أبي حمو صاحب تلمسان ومجيء أبي حمو على أثرهم.

كان أولاد حسين من عرب المعقل مخالفين على السلطان من قبل مسيره إلى مراكش.
وكان شيخهم يوسف بن علي بن غانم قد حدثت بينه وبين الوزير القائم على الدولة محمد بن عثمان منافرة وفتنة وبعث العساكر إلى سجلماسة فخرب ما كان له بها من العقار والأملاك وأقام منتقضا بالقفر فلما حاصر السلطان الأمير عبد الرحمن بمراكش وأخذ بمخنقه أرسل أبا العشائر ابن عمه منصور إلى يوسف بن على وقومه ليجلبوا به على المغرب ويأخذوا بحجزة السلطان عن حصاره فسار لذلك ولما قدم على يوسف سار به إلى تلمسان مستجيشا بالسلطان أبي حمو لذلك القصد لما كان بينه وبين الأمير عبد الرحمن من العهد على ذلك فبعث أبو حمو معهم ابنه أبا تاشفين في بعض عساكره وسار في الباقين على أثرهم وسار أبو تاشفين وأبو العشائر إلى أحياء العرب فدخلوا إلى أحواز مكناسة وعاثوا فها وكان السلطان عند سفره إلى مراكش استخلف على دار ملكه بفاس علي بن مهدي العسكري في جماعة من الجند واستنجد بونزمار بن عريف شيخ سويد وولي الدولة المقيم بأحياء ملوية فحالف بين عرب المعقل واستألف منهم العمارنة والمنبات وهم الأحلاف واجتمع مع علي بن مهدي وساروا لمدافعة العدو بنواحي مكناسة فصدوهم عن مرامهم ومنعوهم من دخول البلاد فأقاموا متواقفين أياما وشد أبو حمو في عسكره مدينة تازى وحاصرها سبعا وخرب قصر الملك هنالك ومسجده المعروف بقصر تازورت وبينما هم على ذلك بلغ الخبر اليقين بفتح مراكش وقتل الأمير عبد الرحمن فأجفلوا من كل ناحية وخرج أولاد حسين وأبو العشائر وأبو تاشفين والعرب الأحلاف في اتباعهم وأجفل أبو حمو عن تازى راجعا إلى تلمسان ومر بقصر ونزمار في نواحي بطوية المسمى بمرادة هدمه ووصل السلطان إلى فاس وقد تم له الظهور والفتح إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.